اسمي إدوارد، ولم أحب في حياتي سوى امرأة لم تكن لي يومًا.
لم نمسك أيدي بعضنا، ولم نقطع وعودًا، ولم نقل كلمة “حب” بصوت مسموع، لكن كل شيء كان واضحًا بيننا، حتى الصمت.
تعرفت على إليانور في الحديقة العامة القريبة من بيت عائلتي. لم يكن لقاءً مقصودًا، كانت تجلس غالبًا على المقعد نفسه، تقرأ أو تراقب الناس. في البداية كنت أكتفي بالمرور، ثم صرت أبطئ خطواتي، ثم صرنا نتبادل التحية. لم يحدث شيء فجأة، كل شيء كان بطيئًا، كما كانت الحياة في ذلك الزمن.
كنا نتحدث عن أمور بسيطة: الطقس، الكتب، الأخبار الصغيرة. لكن الحديث لم يكن هو المهم، بل الطريقة التي كانت تنصت بها، وكأنها تهتم بكل كلمة أقولها، حتى الكلمات التي لا معنى لها. كنت أعود إلى البيت وأنا أشعر بثقل غريب في صدري، ليس حزنًا، بل شيئًا يشبه التعلّق الذي لا يريد أن يعترف بنفسه.
كنت أعرف منذ صغري أن حياتي ليست لي بالكامل. هناك وعد قديم قطعته عائلتي، وعد لا يُناقش ولا يُكسر. لم أكن أؤمن به، لكنني كنت أعيش داخله. هذا الوعد يحدد زواجي ومستقبلي، ويمنعني حتى من التفكير في طريق آخر. لم أقل هذا لإليانور، لكنني كنت أضع حدودًا واضحة بيننا، حدودًا لم تطلبها هي، بل فرضها خوفي.
كانت تعرف. لم تسأل، لكنها كانت تفهم. كانت نظراتها أحيانًا تحمل سؤالًا لا يُقال، وكنت أشيح بوجهي لأنني لا أملك جوابًا.
في ذلك اليوم، جلستُ معها في الحديقة كعادتنا، لكن شيئًا ما كان مختلفًا. الهواء كان أثقل، والسماء ملبدة، وكأنها تضيق علينا. تحدثنا قليلًا، ثم ساد الصمت. شعرت أنني إن لم أقل شيئًا الآن، فلن أقول شيئًا أبدًا.
قبل أن أفتح فمي، سمعنا خطوات تقترب. رجل من عائلتي، أحد الذين يعرفون الوعد القديم، وقف على مسافة قريبة. لم يتكلم كثيرًا، فقط نظر إليّ، وكانت تلك النظرة كافية. فهمت الرسالة. الوقت انتهى.
وقفتُ، واعتذرت لإليانور بحجة واهية. لم تعترض. فقط ابتسمت ابتسامة صغيرة، مؤلمة، كأنها كانت تعرف أن هذا الوداع هو الأخير. عدت إلى البيت وأنا أشعر أنني تركت شيئًا حيًا خلفي.
مرت الأيام، ثم الأسابيع. لم أعد أراها في الحديقة. سألت عنها، فقيل لي إنها مريضة. لم يخبرني أحد بتفاصيل، لكن قلبي كان يعرف أن الأمر ليس بسيطًا. أردت أن أزورها، لكنني ترددت. كنت أخاف أن أقول ما لا يجوز قوله، وأن أفتح بابًا لا يمكن إغلاقه.
في النهاية، ذهبت.
كانت الغرفة هادئة، رائحة الدواء في كل مكان. كانت إليانور مستلقية، شاحبة، لكنها عندما رأتني، ابتسمت. جلستُ قربها، ولم أعرف ماذا أقول. أمسكَت بيدي، لأول مرة، ولم أسحبها هذه المرة.
قالت لي بصوت ضعيف إنها لم تندم على شيء. قالت إن وجودي في حياتها، ولو بهذه الطريقة، كان كافيًا. حاولت أن أرد، لكن الكلمات اختنقت في صدري.
عندها فقط، اعترفت.
قلت لها إنني أحببتها منذ اليوم الأول، وإن خوفي هو ما أبعدني، لا قلبي. قلت لها إنني تمنيت حياة أخرى، بلا وعود، بلا قيود. كانت تنظر إليّ، ودموعها تنزل ببطء، لكنها كانت تبتسم.
قالت لي: “كان يكفيني أن أسمع هذا.”
بعد أيام قليلة، رحلت.
لم أبكِ أمام أحد. بكيت وحدي، في الحديقة، على المقعد نفسه. لم نخسر علاقة، بل خسرنا احتمالًا، حياة لم تُعش، حبًا لم يُمنح فرصة.
وحتى اليوم، كلما مررت من هناك، أفكر في شيء واحد فقط:
بعض النهايات المؤلمة ليست لأن الحب فشل… بل لأنه لم يُسمح له أن يبدأ.
